د. أسامة الديري

لقد خلق الله تعالى الإنسان وأكرمه وأعطاه، فمنهم الراضي القانع، ومنهم الجشع الطامع، قال تعالى فأم الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن* وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن)

والموفق من رضي بقسمةِ الله تعالى وعطائه، ولم يتذمر أو يتسخط فالقناعة هي الرضا بالموجود، وترك الحزن على المفقود. ولها ثمرات عظيمة في حياة الإنسان، فهي عزة في النفس لا تشترى، وسعادة لا تنقطع، ومال لا ينفد، وحياة هانئة آمنة، قال الله تبارك وتعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت. وقد ذكر المفسرون عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم: أنهم فسروا الحياة الطيبة بالقناعة.

ومن رُزق القناعة فقد أفلح، وكُللت مساعيه بالنجاح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه».

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قنوعا بما آتاه الله عز وجل يطلب الآخرة، ويرجو مرضاة ربه، ويدعوه قائلا:« اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا». 

عباد الله: إن النفس البشرية ميالة للزيادة، ومحبة للاستكثار، ويقول الشاعر:

والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا تُرَدُ إلى قليلٍ تقنع

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهذب سلوك أصحابه بما يجنبهم شدة التطلع للزيادة، ويحقق لهم القناعة والسعادة، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال يا حكيم: إن لهذا المال( خـُضرة )حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى. فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا.

وقد تلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التوجيه بصدق ويقين، فكانوا يربون أولادهم على القناعة وعدم التطلع إلى ما في أيدي الناس، فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول لابنه: يا بني إنك لن تلقى أحدا هو أنصح لك مني … إياك والطمع، فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس فإنه الغنى.(ويقصد باليأس القناعة) .

أيها المسلمون: لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطرق والوسائل التي ترشدنا إلى القناعة والرضا، وأساس ذلك أن يوقن الإنسان بأن الرزق والنعم من الله تعالى، قال سبحانه وما بكم من نعمة فمن الله) وعلى المسلم أن يتأمل نعم الله عليه، ولا يقارن بينه وبين الناس، وإذا قارن فلينظر إلى من هو أقل منه كي يستحضر نعمة الله عليه ولا يزدريها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».

ومن رزق القناعة أبصر نعم الله عليه فشكرها، ومن لم يقنع جحد ولم يشكر

فاللهم ارزقنا القناعة في أمورنا، وهب لنا الرضا بما أعطيتنا، ووفقنا جميعا لطاعتك،