د. أسامة الديري

من أركان الإيمان : الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره :

أن تؤمن بأن كل شيء يحدث إنما هو بتقدير الله وتدبيره، قال تعالى : -( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) والخضرفي هذه القصة يمثل قدرالله الناطق :

فهنالك من أقدار الله الخفية التي لا يدرك الإنسان ما وراءها وحقيقتها لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى لكن الإيمان بالله جل وعلا يجعلك مستسلما راضيا بما قضى الله وقدر ، جاء في هذه القصة المباركة ثلاثة مشاهد تبين حكمة مخفية وراء كل حدث ، 

1- مشهد ركوب السفينة وخرقها .

2- مشهد قتل الغلام .

3- مشهد الجدار وهدمه ثم بنائه مرة أخرى .

ثم تأتي الآيات بعد ذلك على لسان الخضر ليفسر لنا حكمة الله التي خفيت عن موسى والتي تخفى عنا في كثير من أقدار الله عز وجل ، هذه المسألة هامة جدا لأن القضاء والقدر يحتاج إلى الثقة والإيمان بالله ، واليقين بالله سبحانه وتعالى .

وتأملوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ” واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ” ليس عندنا في الإسلام شيء اسمه الحظ والنحس بالمفهوم الشائع ،هذا كله خلل بالعقيدة ؛لأن كل  شيء :يحدث إنما يحدث بتقدير وتدبير من الله عز وجل .

لا ينبغي أن يخفى علينا أبدا أن كل شيء يحدث في الكون لله فيه تقدير وتدبير وحكمة ، -( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ) بيده الملك جل جلاله ، فلا تخلو أوامر الله من حكمة ، ولا تخلو نواهيه عن حكمة ، ولا تشريعاته ولا أقداره عن حكمة .

1- قصة السفينة :

 السفينة كانت لمجموعة من المساكين ،  يعملون بالصيد ويبيعون ويأكلون هم وأولادهم  ، وقعوا بمكان فيه ملك ظالم بقوة سلطانه وجنوده يأخذ كل سفينة غصبا ، فكانت الحكمة الإلهية أن يحدث خلل صغير في السفينة لا يؤثر فيها وهو أن تنزع أحد ألواحها فإذا رآها الملك لا يقبل أن يأخذها لأنها سفينة بها عيب ، فدفع الله بهذا الشر الصغير شرا كبيرا ،

فهذه الأمور الأنسان لا يفهمها عندما تقع ، لكن يظهر الله سبحانه وتعالى حكمته بعد ذلك وأنت لا تدري ماذا برحم الغيب ، فلا تحزن إذا تعطلت سيارتك ، أو جرى لك حادث صغير ، إذا تعطلت عن عملك ، أو تأخرت عن سفرك ، فاعلم أن لله سبحانه وتعالى حكمة من وراء كل ذلك .

 قال تعالى : -( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) .

المشهد الثاني : مشهد قتل الغلام :قال تعالى : -( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما )  غلام يقتل هكذا ؟ ماذنبه ؟ ما جريمته ؟

وتأتي الإجابة بأن هذا الغلام سبق في علم الله أن هذا الغلام لو عاش لكان كافرا وسيرهق والديه طغيانا وكفرا ، وجعل الله وفاته رحمة وأخلف عليه ما هو خير .

البعض يتساءل : ماذنب الأطفال المصابين بالسرطان ؟

ماذنب الأطفال الذين يموتون في الحروب والمجازر والمجاعات ؟

أما ما وراء ذلك من الحكم عند الله فمنها : الابتلاء من الله سبحانه وتعالى. 

المشهد الثالث : مشهد هدم الجدار وإعادة بنائه :

لم يكن في القديم خزائن لحفظ الأموال ولا بنوك فكان هذا الرجل الصالح عنده غلامين يتيمين وقد ادخر كنزا لهما، وهو يعلم أن أهل القرية أهل لؤم وبخل كما رأيناهم وهم يرفضون ضيافة موسى والخضرببعض الطعام ، فلما أحس الرجل باقتراب وفاته وضع الكنز في مكان ببيته وبنى فوقه جدارا فلو انهدم الجدار سيظهر الكنز وسيستولي عليه أهل القرية لأن الأطفال ما زالوا صغارا ، فكانت المصلحة في هدمه ثم بنائه مرة أخرى ، ما السر في هذا الفعل ؟ ما السر أن يسوق الله كليمه موسى ونبيه الخضر لهدم جدار وبنائه من أجل غلامين يتيمين ؟ يأتي التفسير من الله –

و (وكان أبوهما صالحا) من أجل هذا وكلهما الله لحفظ مال اليتيم  

فخير تأمين على الأبناء تقوى الله عز وجل ، أن تربيهم على الدين ، ومعرفة الله عز وجل ، لن يكون التأمين بكثرة الأموال من حرام أو بترك دينهم أو هجر الدين وتنحيته جانبا من أجل الحصول الدنيا وإهمال للدين .

(وكان أبوهما صالحا) البعض يفرح بالمكسب الحرام وهو سهل وسريع وكثير ، لكن ستجد عاقبة ذلك في نفسك وفي أبنائك وفي أهلك ، الحرام ينغص العيش ويمحق البركة من كل شيء ، لكن الحلال الطيب وإن كان قليلا يجعل الله لك أثرا صالحا في أولادك ،ويسخر لك من عباده من يحفظ أولادك ويحميهم .

وقال سعيد بن المسيب لابنه: لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك، ثم تلا قول الله (وكان أبوهما صالحا)، وكان يقول: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي.

ففكر كيف تؤمن مستقبل أولادك بركعتين في ظلمة الليل ؟ صدقة مخفية لمحتاج لا يعلمها إلا الله ، مساهمة في أعمال الخير ، فيكون ذلك دفعا للكثير من السوء عن أولادك قال تعالى : -( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا )