د. أسامة الديري

هذه الفيروسات  ليست فيروسات لأمراض جسدية، ولا فيروسات في أجهزة إلكترونية، بل هي فيروسات تنخر في جسد الأمة المحمدية, يحدثنا عن هذه الفيروسات الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ” .

هذا الحديث ناطق بما عليه واقع الامة اليوم في كل مجالات الحياة، وفيه دليل على العقوبات التي يبتلي الله –تعالى- بها هذه الأمة إذا أعرضت عن كتاب الله عز وجل. وقد اشتمل الحديث على خمسة فيروسات خطيرة ومهلكة، أولها:

الفيروس الأول: ظهور الفواحش والمجاهرة بها, قال: “لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا”..

انتشرت الفواحش في العالم، فظهرت الأمراض الجنسية المستعصية, كالإيدز والهربس والزهري والسيلان، لم تستطع أكبر دول العالم قوة وأعلاها تقدما أن تواجه طاعون القرن الخامس عشر الإيدز، حتى قالت عنه إحدى الباحثات الغربيات: إنه عقوبة إلهية للمجتمعات التي لم تحترم شرائع السماء.

: إن من أسباب العذاب العاجل للأمم: فشو الفواحش وشيوعها، وتقصير الأمة بواجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الله: (وَتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].

الفيروس الثاني: التطفيف في المكيال والميزان, قال: “وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ”.

والمراد بنقص الميزان والمكيال: إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم، طمعًا في الحصول على متاع زائل.

ادخل بعض الأسواق، لترى التطفيف والتلاعب الكميات والأوزان، والغش والتدليس والحلف بالأيمان الكاذبة، ناهيك عن ما يحدث في المناقصات وهذه المعاملات المحرمة من أعظم الأسباب الموجبة للعقوبات ونزع البركات، كتفشي المجاعة وتضييق الأرزاق والظلم.

الفيروس الثالث: منع الزكاة, قال: “وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا”.

إن منع الزكاة وعدم أدائها لمستحقيها أمر مشاهد وملموس في بعض المجتمعات التي تقدر الزكاة فيها بالمليارات، فقد أصبحت أرقام الأموال لدى طائفة من الناس خيالية لدرجة أنك قد تعجز عن إحصائها، ولكن مع الأسف نجد أن الكثير منهم امتنعوا من إخراج زكاة أموالهم، لو أدّى هؤلاء زكاتهم ما بقي في العالم الإسلامي فقير.

: لقد ورد الترهيب الشديد والوعيد الأكيد لمانعي الزكاة: كما قال الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:34-35].

الفيروس الرابع: نقض العهد, قال: “وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ).

لقد نقض المسلمون عهودهم مع الله -عز وجل- ومع رسوله -صلى الله عليه وسلم- فتركوا ما أمرهم الله به وارتكبوا ما نهاهم الله عنه، ثم كانت النتيجة الحتمية، والخاتمة السيئة: “سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم” “فيأخذ بعض ما في أيديهم” وإذا أردت دليلاً على هذا الواقع المرير فتصفح خارطة العالم الإسلامي، أين فلسطين؟ وأين الأندلس؟ وأين كثيرًا من البلاد .

الفيروس الخامس: عدم تحكيم الشريعة, قال: “وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ”.

لقد نحَّى الساسةُ كتاب الله، وألغوا الحكم بشريعة الله، بل وخرج لنا من أبناء الأمة من قال: إن الشريعة اليوم لم تعد تتفق مع روح هذا العصر, لقد كانت صالحة في عصر الخيمة والبعير، لكنها لا تصلح اليوم في عصر المركبات الفضائية، فلابد من آراء الرجال التي تواكب متطلبات العصر.

ولما فشا الحكم بغير ما أنزل الله في العالم الإسلامي، كانت النتيجة الحتمية التي لا شك فيها، فجعل الله بأسهم بينهم، وأصبح من يحاول لمَّ شتات العالم الإسلامي، وتوحيد الأمة إنما يحاول المستحيل،.

 لن تجتمع هذه الأمة إلا على دين الحق، ولن تتوحد إلا على كلمة التوحيد؛ لأن الله تعالى يقول: (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:137] وهذا الشقاق سيبقى ما بقي الإعراض عن دين الله، حتى يرجع هؤلاء الناس إلى الله، وتحكم أئمتهم بما أنزل الله.

اللهم احفظ الأمة والمجتمع من البلاء والفتن.