د. أسامة الديري

من أعظم النِعم التي أنعمها الله تعالى على الإنسان نعمة العقل التي بها يتميز عن البهائم والحيوانات، وبها يميز الخير من الشر، والحق من الباطل، والحفاظ عليه من الضرورات الخمس التي لا تقوم حياة الإنسان إلا بها مجتمعةً وهي: (الدين والعقل والنفس والنسل والمال)، فأمر الله تعالى بصيانتها عن كل ما يؤثر عليها أو يتلفها ويضرُّ بها، لذلك كان من مظاهر حكمة الله تبارك وتعالى ورأفته بالعباد ورحمته بهم، أنه أحلّ لهم الطيبات من المأكل والمشرب وحرم عليهم الخبائث التي تعود عليهم بالضرر في أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم.

وإن من أخطر الآفات التي تهدد الإنسان في عصرنا الحالي، وتبذل الدول والحكومات الجهود العظيمة في سبيل حماية شباب الأمة منها آفة المخدرات الخبيثة لما فيها من شرٍّ مستطير، يؤدي إلى إزهاق الأرواح، وضياع العقول، وهدمٍ الأسر، وتهديدٍ لأمن المجتمعات، بل هو كبيرة من الكبائر دعا الإسلام إلى اجتنابها، لأنها من نوع المسكرات التي تذهب العقل، فقال سبحانه وتعالى:﴿ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾، وقد ورد النهي من الله تعالى بقوله: (فاجتنبوه) وهو لفظ فيه مبالغة في الزجر عن ارتكاب هذه المعصية، والنهي عن ارتكاب مقدماتها، أو كل ما يؤدي إليها، ويقرب منها، حتى لا يدع مدخلاً للشيطان، أو لوساوس النفس بالوقوع في هذه الجريمة، لأن أثر هذه المعصية لا يقتصر على الفرد فقط، وإنما يتعدى شرّها إلى المجتمع، فتؤدي إلى ارتكاب الجرائم، وإزهاق الأرواح، وهتك الأعراض وضياع الأموال، لذلك سماها النبي صلى الله عليه وسلم بأم الخبائث فقال: «اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث» .

ولا شك أن المخدرات تأخذ حكم الخمر والمسكرات بل هي أشدّ خطراً وأعظم ضرراً على النفس والمجتمع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام».

كما أن تحريم المخدرات ليس مقصوراً على تعاطيها بل يتعدى ذلك ليشمل جميع صور التعامل والانتفاع بها كما بَين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها»، فيحرم بيع المخدرات وشرائها والاتجار بها ونقلها وغير ذلك من صور التعامل أو الانتفاع لما فيه من إشاعة الفاحشة والمنكرات في المجتمع، يقول الله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، كما إن المال المتحصل من هذه التجارة هو مال خبيث حرام غايته إهلاك الحرث والنسل ونشر الفساد والفاحشة في الأرض وسيُسأل عنه أصحابه يوم القيامة.

إن من أبرز مخاطر آفة المخدرات الخبيثة أنها تؤثر على صحة الإنسان العقلية والجسدية، فالحذر الحذر من دواعي الفضول فإنها من حبائل الشيطان وتدليس إبليس على الناس والانجرار وراء رفاق السوء، وكذلك فإن هذه المواد المخدرة تؤدي إلى حدوث اضطرابات في القلب، وارتفاع ضغط الدم الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث انفجار الشرايين، والتعرض لنوبات الصرع، وحدوث التهابات في المخ والتي تؤدي إلى الشعور بالهلوسة وأحيانًا فقدان الذاكرة، كما تؤدي إلى تليف الكبد وزيادة نسبة السموم في الجسم، وغيرها كثير من المخاطر الجسيمة، وكم من الشباب أزهقت أرواحهم بجرعة زائدة من هذه المواد المخدرة فكانوا في حكم من أردى نفسه في تهلكة الانتحار المُحرم، وقتل النفس بغير وجه حق، والله تعالى يقول: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً﴾ .

و تؤثر من الناحية النفسية على طبع الإنسان فمن غاب عقله تخلى عن طبيعته الإنسانية، وسيطرت عليه غرائزه التي لا تفرق بين حلال وحرام، ولا بين منكر ومعروف، وتختل عنده الموازين، وتنحرف البوصلة عن الوجهة الصحيحة، فيعيش الإنسان في حالة من الوهم القاتل، والأحلام الواهية، ظناً منه بأن في تعاطيها حلاً لمشكلاته الاجتماعية والنفسية، وعلاجاً لآلامه النفسية، وما ذاك الوهم إلا سراب يحسبه الظمآن ماءً، والحقيقة المرة أن الأمر على خلاف ذلك تماماً فإن الذين يدخلون في هذا الطريق ويسيرون فيه يصيبهم الشقاء المحتوم، والاكتئاب الدائم، وسوداوية الحياة، ودمار الصحة، إلى أن يصلوا إلى هلاك وموت وسوء خاتمه، قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر تصنع للدواء فقال : “إنها داء وليست بدواء”، وذكر البخاري وغيره عن ابن مسعود أنه قال: “إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها”. 

عباد الله: إن الآثار المدمرة لآفة المخدرات والمُسكرات، لا ينحصر في المتعاطي الذي يصبح منبوذاً في المجتمع، بل يتعدى ذلك إلى الأسرة والمجتمع،  وأدت إلى انتشار الجرائم وتنامي الشعور بالغضب والحقد على المجتمع، فهي كما قيل: “حاضر مسموم، ومستقبل معدوم”، يقول الله تعالى: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون﴾ ، وهذه الآثار كلها في الدنيا وأما في الآخرة فالأمر أعظم وأخطر فعن جابر رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر حرام و إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار أو عصارة أهل النار».

عباد الله: إن الواجب على الشباب الحرص على تزكية النفس، وإخلاص العبادة لله عز وجل والإقبال عليه والصلة به عز وجل فهو السد المنيع لتحصين النفس والمجتمع من آفة المخدرات، والحذر من اتّباع دعاة السوء الذين يسعون لزعزعة أمن المجتمع، وتدمير أركانه من خلال التأثير على عقول الشباب وأخلاقهم، ويزينون الوقوع بالمفاسد والمحرمات، ويروجون لتعاطي هذه الآفة