د. أسامة الديري

يقول الله تعالى في محكم آياته (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) وفي سنن البيهقي (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً؟ قَالَ :« النَّبِيُّونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا تَبْرَحُ الْبَلاَيَا عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى تَدَعَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ »

 أيها المسلمون

الدنيا دار بلاء وابتلاء ،ولا ينجو من ذلك أحد ، لا فقير ولا غني ، ولا قوي ولا ضعيف ، ولا حاكم ولا محكوم ، ولا مؤمن ولا  مسلم ، فالكل يصيبه البلاء ،(ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، وهذا البلاء ، وتلك الشدائد ،إن أصابت كافرا ، فهي له عقوبة وعذاب في الدنيا قبل الآخرة ، يقول سبحانه

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ،فالعذاب الأدنى هو مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها ، والعذاب الأكبر هو عذاب الآخرة ، أما إذا أصاب البلاء مسلما عاصيا ، كان له البلاء نذيرا كي يعود إلى رشده ويتوب من ذنبه ، ويرجع إلى ربه. وإذا أصاب البلاء مؤمنا صالحا ، فهو تكفير لسيئاته ، ورفع لدرجاته في جنات النعيم  كما في صحيح مسلم (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-

« عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ».

واعلم أخي المسلم أنك إذا رأيت الرجل بعيدا عن الإيمان ، بعيدا عن الطاعات ، ومع ذلك فهو يتمتع بكل أنواع النعيم ، فلا تظن أن ذلك إكرام له،بل هو استدراج ، كما في مسند الامام احمد (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ« إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِى الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ». ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )

أيها المسلمون… ، لقد ابتلي الأنبياء ، والصالحون في كل زمان ومكان ،فإذا ابتليت أخي المسلم فاصبر ، واحتسب عند الله صبرك ، وارض بحكم الله وأقداره ، ولا تقنط من رحمته ، فالفرج آت آت ،فإذا اشتدت ظلمة الليل فابشر بطلوع الفجر ، وإذا ضاقت عليك الأرض ، فاعلم أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه ، فلا يتعلق قلبك إلا بالله ، ولا تفزع إلا إليه ، ولقد وعد الله عباده المؤمنين أن العسر يعقبه اليسر ، وبعد الشدة يأتي الفرج ، وبعد المحن ، تأتي المنح ، يقول سبحانه (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) ، ويقول سبحانه (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)  ويقول صلى الله عليه وسلم كما في مسند احمد(وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً »

 ويقول سبحانه على لسان يعقوب (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فلا تيأس من رحمة الله ، ولا تقنط من رحمته ، فما من شدة أو بلاء إلا وجعل الله لها فرجا فكن واثقا بموعود الله… فلا خير في خير بعده النار ، ولا شر في شر بعده الجنة  كما في صحيح مسلم (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم : { يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ.

وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَط هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ