د. أسامة الديري
فإن للأخلاق أعظم الأثر في التعريف بالإسلام ومحو الصور المغلوطة عنه، وحياة المسلم الأوروبي بأخلاق الإسلام تغني عن ألف كتاب مترجم، وألف محاضرة تشرح جمال الإسلام وسماحته؛ لأن المواد المشوِّهة لصورة الإسلام أضعاف التي تصف حقيقته. ولهذا قيل: حال رجل في ألف رجل أبلغ من كلام ألف رجل في رجل.
وعلى المسلم الأوروبي ضرورة تجسيد الإسلام بأخلاقه ولا يعني أن يكون المسلم نفعياً يفعل ذلك فقط ليدخل من يرى أخلاقه الإسلام فإن علم أن من يراه له موقف رافض للإسلام غيّر سلوكه وأخلاقه معه، وإنما يفعل ذلك أبداً في كل الأحوال والأوقات، لأن الإسلام يأمره بذلك وأما هداية الناس إلى الإسلام فأمر قلبي بيد الله وحده {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}
وقدوتنا هو نبينا صلى الله عليه وسلم الذي تعامل بأخلاق الإسلام مع كل الناس حتى خصومه وأعداءه الذين آذوه وتآمروا على قتله؛ فقد عامل ثمامة بن أثال الذي كان زعيما وقائدا من قادات قريش بالحسنى،رغم ما بدر منه من إساءات حتى قال ثمامة :”والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ” فأسلم بعد إطلاق سراحه وهذا يعني أن تصرف النبي صلى الله عليه وسلم معه كان مبدئيا ذاتيا وليس نفعيا مصلحيا. وكذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمانات لأهل مكة قبل الهجرة رغم إيذائهم له؛ لأنه يثبت المبدأ ويغرس القيمة،
لهذا يبلغ المسلم بحسن خلقه درجة الصائم القائم كما في قوله صلى الله عليه وسلم:”إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَات قائم الليل صائِمِ النهار” وقال أيضا: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيّ) ولهذا ركز جعفر بن أبي طالب في خطابه مع النجاشي على القيم الأخلاقية الإيجابية التي جاء بها الإسلام والمشتركات بين الإسلام والمسيحية دين النجاشي يومئذ، ولم يدخل في دوائر العقوبات والمتغيرات.
والمسلم الأوروبي هو كتاب مفتوح عن الإسلام يقرأ من يراه ويخالطه الإسلام فيه، فحين يكون قدوة صالحة يحقق معنى البلاغ والبيان والشهادة على الناس بسلوكه وأخلاقه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “إن الصحابة نقلوا الأمم إلى الإسلام ولم ينقلوا الإسلام إلى الأمم” وذلك بسلوكهم وأحوالهم، ولم ينقلوه إليهم في صورة محاضرات وكتب مترجمة وسلوكهم وحالهم يناقض قيم الإسلام ومبادئه.
ومن تعاجيب مواقف المهتدين الجدد إلى الإسلام . تلك القصة التي حدثت مع الدكتور أحمد الخليفة مدير المركز الإسلامي بميونخ حفظه الله، وملخصها أنه قرأ إعلانًا في صحيفة ألمانية جاء فيه: مطلوب قسيس مسلم يعمدني الإسلام! وترك المعلن عنوانه وهاتفه فاتصل به د/ خليفة فلم يرد فذهب على الفور إلى عنوانه فلم يجده، فسأل عنه جيرانه فلم يجيبوه بل خافوا منه، فترك له رسالة فيها عنوانه للتواصل معه. وتم الرد عليه برسالة من صديق لصاحب الإعلان يقول فيها: إن صاحب الإعلان في المستشفى وحالته خطيرة ويحتاج إليك بشدة، ويلح في طلبك، وترك عنوان المستشفى.
قال د/خليفة ذهبت على الفور إلى المستشفى، وما أن وصلت حتى استبشر فرحًا بوصولي قائلاً: أنت القسيس المسلم؟! قلت: بلى. وكان في الحجرة قس مسيحي فنادى عليه قائلاً ادن منا لأني سأُسلم الآن. ثم قص قصته فقال: سافرت إلى المغرب سائحًا واستضافني مغربي مسلم اسمه حسن وأكرمني وأحسن إلىّ ولم أصدق أنه لا يريد بي شرًا ولا يريد أن يقتلني، فتناومت لأنظر ما يفعل بي، وقد أحس بي وحاول أن يطمئنني لكنى بقيت خائفًا منه، ولما أصبح الصباح أحضر الفطور، وبعدها قدمت له ثمن الاستضافة، فرفض قائلاً: أنت ضيفي والإسلام أمرنا بإكرام الضيف 3 أيام، ورفض أخذ الأجرة، فاتفقت معه أن أزوره كل عام وأحببته وتعلقت به، وظللت أتساءل في نفسي أى دين يأمر بهذا؟!، وأردت التعرف على هذا الدين فلم يكن أمامي سبيل إلا أن أعلن في الصحيفة عن حاجتى لقسيس مسلم يعمدني الإسلام، لأصبح أخًا لحسن المغربي وألقاه العام المقبل وقد أسلمت مثله، فحدِّثني أيها القس المسلم عن هذا الدين.
قال د/ خليفة الداعية الحصيف: الإسلام دين الفطرة وهو دين تكاليفه محدودة معدودة متناغمة مع حياة الإنسان وأركانه خمسة، وعندما وصل إلى الحج قال له: أنا مريض لا أستطيع السفر هل يمكن أن يحج عنى أخي حسن؟ قال: نعم. ثم قال: ماذا أفعل لأكون مسلمًا؟ قال: تنطق بالشهادتين فنطق بها وهو فرح مسرور، وقال: الحمد لله الآن أنا مسلم، هل يلزمني تغيير اسمي؟ قال د خليفة ليس شرطًا. قال: سأغيره ويصبح اسمي حسن. ثم ودَّعه د خليفة على أن يتواصل معه للاطمئنان عليه، وفي اليوم التالي اتصل بالمستشفى ليسأل عنه فأُخبر أن روحه قد فاضت إلى بارئها بعد أن خرج د خليفة من عنده مباشرة.
إن كل ما نذكره يضاعف المسؤولية على المسلم الأوروبي إذا انحرف عن أخلاق الإسلام، ويجعله رسول هداية إذا تمسك بها.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت والحمد لله رب العالمين.