د. أسامة الديري (خطبة الجمعة 2021/10/19)

ما أجملَ أن نعيشَ أفضلَ اللحظاتٍ في رِحابِ آياتٍ بيِّنات، نستلهِمُ النفحَات والعِظات، ونجنِي أطايِبَ الثمرات، من سُورة الآداب والأخلاق “سورة الحجرات”، فسورة الحجرات مدرسة متكامِلة جاءت تربّى الفرد والمجتمع بل الأمة جميعًا على سموّ الأخلاق وفضائل الأعمال وعلوّ الهمم.

خاطب الله – عز وجل – المؤمنين في هذه السورة خمس مرات بقوله {يا أيها الذين آمنوا}، في كل نداء من هذه النداءات توجيه إلى مكارم الأخلاق التي ينبغي التحلي بها، ثم خاطب في المرة السادسة عموم الخلق بقوله ((يا أيها الناس)) ليرشدهم إلى طريقة تحفظ أمن الجميع وسلامتهم وتعاونهم على البر والتقوى . 

 قال الله تعالى في النداء الأول   -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )

فالمؤمن مطالب بعدم تقديم رأيه على أوامر الله ورسوله في الكتاب والسنة، بل يكون رأيه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون محبته وولاؤه له.

وجاء النداء الثاني في هذه السورة : يحوي الأدب مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾

وقد أجمعَ أهلُ العلم على أن الأدبَ مع النبي صلى الله عليه وسلم حالَ موته كالأدب معه في حياته.

والنداء الثالث في هذه السورة: التعامل مع الفسقة:قال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

ولقد بين لنا  ربنا كيفية التغلب على هذه الفتنة بقوله: { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ  }.

 والنداء الرابع في سورة الحجرات في علاقة المؤمن مع إخوانه المؤمنين في حال حضورهم والتعامل المباشر معهم. 

قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

وسواء كانت السخرية واللمز والنبز بين الأفراد أو بين الأقوام والجماعات ؛ فإن ذلك محرم يجب الإقلاع عنه ، والمؤمن أحق من يلتزم بذلك ؛ لأنه داعية إلى الإسلام وقدوة فيه ،

والنداء الخامس في سورة الحجرات : في تعامل المؤمن مع إخوانه المؤمنين في حال غيبتهم وعدم حضورهم:قال – تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ )،

وقد أخرج البخاري ومسلم قوله – صلى الله عليه وسلم -: { إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا . رواه البخاري }.

النداء السادس في هذه السورة: نداء البشرية كافة

قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} يا أيها الناس.إن هناك ميزان واحد تتحدّد به القيم، ويعرف به فضل الناس هو تقوى الله عز وجل

أيها الإخوة المؤمنون، ما أحوجنا أن نعيش مع القرآن ونحيا به لتحيا به قلوبنا وتنشرح صدورنا وأن يكون منهج حياتنا ومهذِّب نفوسنا ومزكّيها ومقوّم أخلاقنا ، ،  فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى   وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا.